تبنى الحكام الأمويين المجرسة الجهمية أي الجبرية وروجوا لها بل تحمس للدفاع عنها طبقة الأمراء والولاة والقضاة ، وهم الذين يوعزون تصرفاتهم وظلمهم إلى الباري عز وجل وعلى الناس مجاراتهم لأنهم مجبرون في الرضوخ والتسليم طالما أفعال هؤلاء الظلمة مخلوقة لله ـ على حد زعمهم ـ فهي ليس من إرادة الإنسان وحريته.
بهذا التعليل استطاع بني أمية أن يذلوا الرقاب وبستولوا على السلطة ويرتكبوا أفظع الجرائم في التاريخ ويقارفوا المنكرات ويلهو ويولعوا في الشهوات والملذات وكان على رأسهم يزيد بن معاوية.
فليس من الغريب أن نجد الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وأمثالهم يحتلون الصدارة في قصور الحكام وتشملهم الرعاية الخاصة من قبل الأمويين طالما نفسوا لهم كربتهم في أعذارهم وأباحوا لهم ارتكاب كل جرم يخطر ببالهم.
فمثلاً من جملة ما قاله الجهم بن صفوان : إن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال مجازاً ، كما تنسب إلى الجمادات ... والثواب والعقاب جبر ، كما أن الأفعال كلها جبر ، وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً.
وعلى هذا قال : لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، لأن ذلك يقضي تشبيها فنفى كونه : حياً عالماً ، وأثبت كونه : قادراً ، فاعلاً ، خالقاً ، لأنه لا يوصف شيء من خلقه : بالقدرة ، والفعل ، والخلق (١) ...
وممن قال بفكرة الجهمية من الجبرية هم النجارية (٢) والضرارية (٣) وأكثر معتزلة أهل الري.
__________________
(١) انظر الملل والنحل ١ | ٧٩ ـ ٨٠.
(٢) نسبة إلى الحسين بن محمد النجار.
(٣) نسبة إلى ضرار بن عمرو.