الخير محملا.
______________________________________________________
ضرب كالسابق ، أو من باب الأفعال فالظرف متعلق بيقلبك والضمير للأحسن ، وقوله عليهالسلام : ولا تظنن ، تأكيد لبعض أفراد الكلام أو السابق محمول على الفعل.
وهذه الجملة مروية في نهج البلاغة وفيه : من أحد ، ومحتملا ، والحاصل أنه إذا صدرت منه كلمة ذات وجهين وجب عليك أن تحملها على الوجه الخير وإن كان معنى مجازيا بدون قرينة أو كناية أو تورية أو نحوها ، لا سيما إذا ادعاه القائل ومن هذا القبيل ما سماه علماء العربية أسلوب الحكيم ، كما قال الحجاج للقبعثري متوعدا له بالقيد : لأحملنك على الأدهم! فقال القبعثرى : مثل الأمير يحمل على الأشهب والأدهم فأبرز وعيده في معرض الوعد ، ثم قال الحجاج للتصريح بمقصوده أنه حديد ، فقال القبعثرى : لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا.
وقال الشهيد الثاني روح الله روحه وغيره ممن سبقه : اعلم أنه كما يحرم على الإنسان سوء القول في المؤمن وأن يحدث غيره بلسانه بمساوئ الغير ، كذلك يحرم عليه سوء الظن وأن يحدث نفسه بذلك ، والمراد من سوء الظن المحرم عقد القلب وحكمه عليه بالسوء من غير يقين ، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما أن الشك أيضا معفو عنه ، قال الله تعالى : « اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ » فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل ، وما لم تعلمه ثم وقع في قلبك فالشيطان يلقيه ، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق ، وقد قال الله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ » (١) فلا يجوز تصديق إبليس ، ومن هنا جاء في الشرع أن من علمت في فيه رائحة الخمر لا يجوز أن تحكم عليه بشربها ولا يحده عليه لإمكان
__________________
(١) سورةالحجرات : ٦.