______________________________________________________
إمكان طرو الكفر على الإيمان ، وعلى هذا بناء أحكام المرتدين وهو مذهب أكثر المسلمين ، نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروه عليه كما أشرنا إليه إن جعلنا الإيمان عبارة عن التصديق مع الإقرار أو حكمه ، لكن الأول هو الأرجح في النفس ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وأقول : الحق أن الإيمان إذا بلغ حد اليقين فلا يمكن زواله ، ولكن بلوغه إلى هذا الحد نادر ، وتكليف عامة الخلق بها في حرج ، بل الظاهر أنه يكفي في أيمان أكثر الخلق الظن القوي الذي يطمئن به النفس ، وزوال مثل ذلك ممكن ، ودرجات الإيمان كثيرة كما عرفت ، ففي بعضها يمكن الزوال والعود إلى الشك ، بل إلى الإنكار ، وهو إيمان المعاد ، وفي بعضها لا يمكن الزوال لا بالقول ولا بالعقيدة ولا بالفعل ، وفي بعضها يمكن الزوال بالقول والفعل مع عدم زوال الاعتقاد كقوم من الكفرة كانوا يعتقدون صدق الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانوا يعاندون وينكرون أشد الإنكار للأغراض الفاسدة والمطالب الدنيوية كأبي جهل وأضرابه ، وكثير من الصحابة رأوا نصب علي عليهالسلام في يوم الغدير ، وسمعوا النص عليه في سائر المواطن ، وغلبت عليهم الشقاوة وحب الدنيا ، وأنكروا ذلك.
فلو قيل باشتراط الجزم في الإيمان وعدم إمكان زوال اليقين فلا ريب في أنه مشروط بعدم الإنكار ظاهرا كما قال تعالى : « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » (١) فيمكن حصول الارتداد وزوال الإيمان بالإنكار الظاهري أو فعل ما حكم الشارع بحصول الكفر عنده كسجود الصنم ، وقتل النبي أو الإمام وإلقاء المصحف في القاذورات والاستخفاف بالمصحف أو الكعبة ، وأمثال ذلك.
__________________
(١) سورة النمل : ١٤.