القاسم بن حبيب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا ومنهم من أعير الإيمان عارية فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان.
______________________________________________________
« فإذا هو دعا » فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة وعدم الزيغ ، كما كان دأب الصالحين قبلنا ، وفيه دلالة أيضا على أن الإيمان والسلب مسببان عن فعل الإنسان ، لأنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلان.
وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الإيمان والكفر قد يكون ثابتا وقد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده لأن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الإيمان وكل ما هو حق فيه ، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ما هو باطل فيه ، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه كان مترددا بين الإقبال والأدبار ، ومذبذبا بين الإيمان والكفر ، فإن غلب الأول دخل الإيمان فيه من غير استقرار ، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الإيمان إلى الكفر ، ومن الكفر إلى الإيمان فلا بد للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا إلى الله عز وجل شكره وبذل جهده وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب ويزيغ عن الحق ، كما ذكره سبحانه عن قوم صالحين : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ » (١) وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك ما فرط فيه ، وتوكل على الله وتوسل إليه بالدعاء والتضرع ، لتدركه العناية الربانية فتخرجه من الظلمات إلى النور ، وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان ، واستحق من ربه الخذلان ، فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه : « فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ » (٢) أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الإيمان.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٨.
(٢) سورة الصفّ : ٥.