فقلب المؤمن إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر وأما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الآية « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (١) فأما القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك
______________________________________________________
« إن أعطاه شكر » ذكر من صفات المؤمن الصبر والشكر لأنهما من أمهات صفات الكمال مستوعبان لجميع الأحوال وإنما وصف قلب المشرك بالنكس لأنه كالظرف المقلوب المكبوب لا يستقر فيه شيء ، وخصه بالمشرك لأن قلب المنافق يمر فيه شيء من الحق والإيمان ، ولا يعتقد به بخلاف قلب المشرك ، فإنه لا يمر فيه شيء من الحق ، ولا ينافي ذلك كون عقوبة المنافق أشد لأن إنكار الحق مع العلم به أشنع وأقبح.
وقيل : القلب المنكوس هو القلب الناظر إلى الدنيا المتوجهة إليها لأن الدنيا تحت الآخرة وأنه لما صرف نظره وهمته عن الدرجات العالية التي هي فوقه وقصر نظره وهمه إلى الدنيا الدنية فكأنه نكس وانقلب ، أو أنه لما خلقه الله تعالى على الفطرة القويمة وهيأ له أسباب الترقي والطيران إلى الدرجات العالية فإن توجه إلى الشهوات البهيمية وضيع فطرته الأصلية فقد تنزل عما كان عليه وتوجه إلى الجهة السفلى ، فصار منكوسا كالطير الذي يطير إلى جهة السفل.
والاستشهاد بالآية إما لمناسبة التشبيهات أو لأن المكب على وجهه يصير قلبه أيضا منكوسا أو لأن المراد بالإكباب في الآية إكباب قلبه ، وقيل : الاستشهاد باعتبار أن المشرك يمشي مكبا على وجهه لكون قلبه مكبوبا مقلوبا ، والمؤمن يمشي سويا لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيما عارفا بالحق كما يرشد إليه قوله تعالى « عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وقال البيضاوي معنى مكبا أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله « أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا » قائما سالما من العثار « عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » مستوي الأجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد
__________________
(١) سورة الملك : ٢٢.