إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب.
______________________________________________________
كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي وكدوراتها ، مجرد تركها وعدم العود إليها ، بل يجب محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات فإنه كما يرتفع إلى القلب من كل معصية ظلمة وكدورة كذلك يرتفع إليه من كل طاعة نور وضياء ، فالأولى محو ظلمة كل معصية بنور طاعة تضادها بأن ينظر التائب إلى سيئاته مفصلة ، ويطلب لكل سيئة منها حسنة تقابلها ، فيأتي بتلك الحسنة على قدر ما أتى بتلك السيئة.
فيكفر استماع الملاهي مثلا باستماع القرآن والحديث والمسائل الدينية ، ويكفر مس خط المصحف محدثا بإكرامه وكثرة تقبيله وتلاوته ، ويكفر المكث في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه وكثرة التعبد في زواياه وأمثال ذلك.
وأما في حقوق الناس فيخرج من مظالمهم أولا بردها عليهم ، والاستحلال منهم ، ثم يقابل إيذاءه لهم بالإحسان إليهم ، وغصب أموالهم بالتصدق بماله الحلال ، وغيبتهم بالثناء على أصل الدين وإشاعة أوصافهم الحميدة ، وعلى هذا القياس يمحو كل سيئة من حقوق الله أو حقوق الناس بحسنة تقابلها من جنسها ، كما يعالج الطبيب الأمراض بأضدادها ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه وكرمه. « ما كتبا عليه » كان النسبة إليهما على التغليب أو لكون كتابة صاحب الشمال بأمر صاحب اليمين كما مر ، وقيل : الوحي إلى الجوارح والبقاع كناية عن محو الآثار التي تدل على المعصية عنهما ، وقيل : المراد بكتمان الجوارح وبقاع الأرض ذنوبه إما نسيانهما كما في الملكين ، أو عدم الشهادة بها ، والأول أظهر ، ويؤيده ما روي من طرق العامة أنه تعالى ينسى أيضا جوارحه وبقاع الأرض ذنوبه ، بل ربما يقال أنه يمحوها عن لوح نفسه أيضا ليكمل استعداده لإفاضة الفيض والرحمة عليه ، ويرتفع عنه الانفعال عند لقاء الرب.