______________________________________________________
وكل شيء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ، لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة ، فإن ما بقي من الدنيا كما ولي منها ، وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك يا بن عمران.
فالظاهر منه أن طويله قصير لفنائه وسرعة انقضائه ، وقصيره طويل لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه ، وإن احتمل بعض الوجوه الأخر.
« فاعمل كأنك ترى ثواب عملك » أي إذا أخذت موعظتك من الدهر ، وعرفت فناءها وسرعة انقضائها ينبغي أن تقبل على عملك الموجب لتحصيل المثوبات الأخروية لك مع اليقين بترتب الثواب كأنك تراه فإن من كان كذلك يكون قلبه فارغا عن حب الدنيا ، والميل إلى شهواتها ، فيكون عمله مع حضور القلب ورعاية آدابها فيكون أطمع له في الأجر ، واللام للتعدية.
والحاصل أنه يكون عمله في درجة الكمال ومظنة القبول ، وإن كان الأولى بالنسبة إليه أن يعد نفسه مقصرا ، ولا يعتمد على عمله ، أو المعنى أنك إذا كنت في اليقين بحيث كأنك ترى بعينك ثواب عملك تكون تلك الحالة ادعى لك على العمل الذي هو موجب لحصول الأجر ، فأشار إلى الحرص على العمل بذكر لازمه ، وهو الطمع في الأجر ، وعلى التقادير يدل على أن قصد الثواب لا ينافي الإخلاص ، بل كماله ، فإن ما هو آت من الدنيا كما قد ولى منها أي في سرعة الانقضاء وعدم الاعتماد عليه في البقاء ، فهو تعليل لأخذ الموعظة أو له ولما يترتب عليه من العمل الخالص والحرص عليه ، أو لرؤية ثواب الآخرة وقرب حصوله فإن بقية العمر في عدم الوثوق عليه كالماضي ، فالآخرة قريبة منك كأنك تراه وتسعى إليه ، أو للأمر بالعمل الخالص في الحال لمرور الماضي بالتقصير وعدم الوثوق على الآتي كما مر ، وقيل : أي لا تكن في تدبير ما يأتي من العمر بتحصيل المال كما أنك لا تتفكر فيما مضى.