______________________________________________________
أفعل إلا ما يشاء الله ويريده ، وإذا كان الله تعالى لا يشاء إلا الطاعات فكأنه قال لا تقل إني أفعل إلا الطاعات ، ولا يطعن على هذا بجواز الإخبار عما يفعل من المباحات التي لا يشاءها الله تعالى ، لأن هذا النهي نهي تنزيه لا نهي تحريم ، بدلالة أنه لو لم يقل ذلك لم يأثم بلا خلاف.
وثالثها : أنه نهي عن أن يقول الإنسان سأفعل غدا وهو يجوز الاخترام قبل أن يفعل ما أخبر به فلا يوجد مخبره على ما أخبر به فهو كذب ، ولا يأمن أيضا أن لا يوجد مخبره بحدوث شيء من فعل الله تعالى نحو المرض والعجز ، أو بأن يبدو له هو في ذلك فلا يسلم خبره من الكذب إلا بالاستثناء الذي ذكره الله تعالى ، فإذا قال إني صائر غدا إلى المسجد إن شاء الله أمن من أن يكون خبره هذا كذبا لأن الله إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجد غدا حصل المصير إليه منه لا محالة ، فلا يكون خبره هذا كذبا وإن لم يوجد المصير منه إلى المسجد لأنه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشية الله تعالى عن الجبائي ، وقد ذكرنا فيما قبل ما جاء في الرواية أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين فقال : أخبركم عنه غدا ولم يستثن فاحتبس عنه الوحي أياما حتى شق عليه ، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشية الله.
وقوله : « وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » (١) فيه وجهان أحدهما أنه كلام متصل بما قبله ثم اختلف في ذلك فقيل : معناه « وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » الاستثناء ثم تذكرت فقل إنشاء الله ، وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة عن ابن عباس ، وقد روي ذلك عن أئمتنا عليهمالسلام ، ويمكن أن يكون الوجه فيه أنه إذا استثني بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام ،
__________________
(١) سورة الكهف : ٢٤.