ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد وهو قوله عز وجل « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ » إلى آخر الآية (١) قال فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته هاهنا ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هاهنا (٢).
بيان : قال في النهاية فيه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف (٣) مجندة أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ومعناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح وتقدمها على الأجساد أي أنها خلقت أول خلقها على قسمين من ائتلاف واختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدإ الخلق يقول إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ويميل إليهم والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم انتهى.
وقال الكرماني في شرح البخاري أي خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسامها فمن وافق الصفة ألفه ومن باعد نافره وقال الخطابي خلقت قبلها فكانت تلتقي فلما التبست بها تعارفت بالذكر الأول فصار كل إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد وقال النووي مجندة أي جموع مجتمعة وأنواع مختلفة وتعارفها لأمر جعلها الله عليه وقيل موافقة صفاتها وتناسبها في شيمها وقال الطيبي الفاء في فما تعارف تدل على تقدم اشتباك في الأزل ثم تفرق فيما لا يزال أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعد تناكر كمن فقد أنيسه ثم اتصل به فلزمه وأنس به وإن لم يسبق له اختلاط معه اشمأز منه ودل التشبيه بالجنود على أن ذلك الاجتماع في الأزل كان لأمر عظيم من فتح بلاد وقهر أعداء ودل على أن أحد الحزبين حزب الله والآخر
__________________
(١) الأعراف : ١٧١.
(٢) العلل : ج ١ ، ص ٨٠.
(٣) قد مر منا بيان موجز في شرح الحديث في ذيل الرواية الرابعة من الباب السابق فراجع.