لنا على الجواز ما مر في الإعجاز من إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله له فإنه هو الخالق وإنما الساحر فاعل وكاسب وأيضا إجماع الفقهاء وإنما اختلفوا في الحكم وعلى الوقوع وجوه.
منها قوله تعالى « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ » إلى قوله « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » (١) وفيه إشعار بأنه ثابت حقيقة ليس مجرد إراءة وتمويه وبأن المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده.
ومنها سورة الفلق فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت فيما كان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلىاللهعليهوآله حتى مرض ثلاث ليال.
ومنها ما روي أن جارية سحرت عائشة وأنه سحر ابن عمر حتى تكوعت يده.
فإن قيل لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء والصالحين ولحصلوا لأنفسهم الملك العظيم وكيف يصح أن يسحر النبي صلىاللهعليهوآله وقد قال الله « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » (٢) « وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » وكانت الكفرة يعيبون النبي صلىاللهعليهوآله بأنه مسحور مع القطع بأنهم كاذبون.
قلنا : ليس الساحر يوجد في كل عصر وزمان وبكل قطر ومكان ولا ينفذ حكمه كل أوان ولا له يد في كل شيء (٣) والنبي صلىاللهعليهوآله معصوم من أن يهلكه الناس أو يوقع خللا في نبوته لا أن يوصل ضررا وألما إلى بدنه ومراد الكفار بكونه مسحورا أنه مجنون أزيل عقله بالسحر حيث ترك دينهم.
فإن قيل : قوله تعالى في قصة موسى عليهالسلام « يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها
__________________
(١) البقرة : ١٠٢.
(٢) المائدة : ٦٧.
(٣) شان ( خ ).