وذلك إنما يعقل في حق من يكون مركبا ويمكن انفصال بعض أجزائه عنه وذلك في حق الأحد (١) الفرد محال.
فحاصل الكلام أن من علم أن الإله ما حقيقته استحال أن يقول له ولد فقوله « بِغَيْرِ عِلْمٍ » إشارة إلى هذه الدقيقة و « سُبْحانَهُ » تنزيه لله عن كل ما لا يليق به « وَتَعالى » أي هو متعال عن كل اعتقاد باطل (٢) وقول فاسد (٣).
قوله سبحانه « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً » أي جميع الخلق أو الإنس والجن « يا مَعْشَرَ الْجِنِ » أي يا جماعة الجن « قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ » أي من إغوائهم وإضلالهم أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم « وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ » الذين أطاعوهم « رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ » أي انتفع الإنس بالجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها والجن بالإنس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم وقيل استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز عند المخاوف واستمتاعهم بالإنس اعتراف بأنهم يقدرون على إجارتهم.
« وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ » أي البعث « وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً »
__________________
كان مستقلا بنفسه قائما بذاته لا تعلق له في وجوده بالآخر ، ومن كان كذلك لم يكن والد له البتة لان الولد مشعر بالفرعية والحاجة ، واما ان كان ذلك الولد ممكن الوجود لذاته فحينئذ يكون وجوده بايجاد واجب الوجود لذاته ، ومن كان كذلك فيكون عبد الله لا والدا له فثبت ان من عرف ان الإله ما هو امتنع منه ان يثبت له البنات والبنين.
الحجة الثانية ان الولد يحتاج إليه ان يقوم مقامه بعد فنائه ، وهذا يعقل في حق من يفنى ، اما من تقدس عن ذلك لم يعقل الولد في حقه.
(١) في المصدر : فى حق الواحد الفرد الواجب لذاته محال.
(٢) فيه اختصار والموجود في المصدر : واما قوله : ( وتعالى ) فلا شك انه لا يفيد العلو في المكان ، لان المقصود هاهنا تنزيه الله تعالى عن هذه الأقوال الفاسدة والعلو في المكان لا يفيد هذا المعنى فثبت ان المراد هاهنا التعالى عن كل اعتقاد باطل وقول فاسد.
(٣) التفسير الكبير ١٣ : ١١٦ و ١١٧.