وقال أيضا في قوله سبحانه « فَيَتَعَلَّمُونَ » أي فيتعلم الناس من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه إما لأنه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه امرأته وإما لأنه يفرق بينهما بالتمويه والاحتيال كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه لأن السحر له أثر في نفسه بدليل قوله « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » أي بإرادته وقدرته لأنه إن شاء أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله وإن شاء لم يحدث وكان الذي يتعلمون منهما لم يكن مقصورا على هذه الصورة ولكن سكون المرء وركونه إلى زوجه لما كان أشد خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى انتهى.
وقد مر من تفسير الإمام عليهالسلام « فَيَتَعَلَّمُونَ » يعني طالبي السحر « مِنْهُما » يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات ومما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت يتعلمون من هذين الصنفين « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » هذا من يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والنمائم والإيهام أنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة أو يؤدي إلى الفراق بينهما « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ » أي ما المتعلمون لذلك بضارين به « مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » يعني بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.
وقال الطبرسي رحمهالله في قوله تعالى « فَلَمَّا أَلْقَوْا » أي فلما ألقي السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس وخيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته وخفي ذلك عليهم لبعده منهم لأنهم لم يخلوا الناس السحر لا حقيقة له لأنه لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه « سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ » بل كان يقول فلما ألقوا صارت حيات انتهى (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ٩٤٦١.