تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (١).
وأورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والإنس لا يعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع وأجيب بوجوه أربعة :
الأول : أنه أراد سبحانه بالجن والإنس اللذين بلغوا حد التكليف قبل الممات والتعليل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائية كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأول عليه السلام أنه قال : معنى قول النبي صلى الله عليه واله اعملوا فكل ميسر لما خلق له (٢) إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عز وجل : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » فيسر كلا لما خلق له فالويل لمن استحب العمى على الهدى.
الثاني : أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والإنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللام للعلية الغائية لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله ليعبدون إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والإنس.
الثالث : إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والإنس إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية في قوله تعالى « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم إلخ.
الرابع : لو سلمنا جميع ذلك نقول ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ، قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة ، متفق عليه ، كما في مشكاة المصابيح ص ٢٠.