الصور والأخلاق تابع لتقارب طينهم وتقارب مباديه وهي السهل والحزن والسبخ والعذب وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة.
وقال أهل التأويل الإضافة بمعنى اللام أي المبادي لطينهم كناية عن الأجزاء العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات الأمزجة (١) أو السبخ كناية عن الحار اليابس والعذب عن الحار الرطب والسهل عن البارد الرطب والحزن عن البارد اليابس انتهى.
وأقول : لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي والماء الأجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنية واللذات الجسمانية من البدن وما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات.
ومزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان فقوله أخلق منك أي من أجلك جنتي وأهل طاعتي إذ لو لا ما في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ولم يصر أحد مطيعا له تعالى.
وكذا قوله أخلق منك ناري إذ لو لا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور.
ثم لإظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر وميز من علم منهم الإيمان ممن علم منهم خلافه وكلفهم بدخول النار ليعلموا قبل التكليف في عالم الأجساد
__________________
(١) بل الصحيح كما أشرنا إليه قبلا أن النطفة هي التي خلقت من سلالة من الطين فليس الإنسان مركبا من الماء والتراب وانما ذلك هو النطفة ولست أعنى الماء الدافق ولا « اسپرماتوزئيد » على اصطلاح المتأخرين بل هي شيء آخر سميت بالنطفة عند المتأخرين في داخل « اسپرماتوزئيد » وانما شخصية الجنين بها فالنطفة التي اخذت واستلت من سهل الأرض غير ما اخذت واستلت من حزنها وما اخذت من طين لازب رس غير ما اخذت من حما مسنون وهكذا.