وبعد كل ما تقدم .. فإن سياسات التمييز في العطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم ، ثم حبس كبار الصحابة في المدينة ، وتولية الأعمال الجليلة ، وقيادة الجيوش خاصة ، لفئة خاصة ، لم تكن على الأغلب تملك رصيداً روحياً ، ولا ثقافياً إسلامياً ، سوى أنها تتمتع بثقة الهيئة الحاكمة ، أو انها رأت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لبرهة وجيزة جداً ، أو أنها من قريش.
ـ إن كل ذلك وسواه من سياسات ، ليس فقط قد جعل من هذه الأمة المنتصرة أمة مغرورة ، معجبة بنفسها ، لا تقف عند حدٍ ، ولا تنتهي إلى غاية .. وخلق طبقة من الأثرياء ، الذين اتخمهم المال ، وأبطرتهم النعمة ، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية كافية لديهم. وقد كان معظمهم من أبناء واعضاء الهيئة الحاكمة ، وأعوانهم المقربين ، ومن قريش بصورة خاصة ، فنال الأمة منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله ..
نعم .. لقد بهرتهم المناصب ، وأسالت لعابهم الفتوحات ، بما فيها من غنائم وسبايا ، وبسط نفوذ ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبر ، وتجبر ، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة ، لا الأمة أساساً ، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً ، ومنطلقاً لمجمل تعامله ، وعلاقاته ، وكل مواقفه وحركاته .. وصاروا يهتمون بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال ، وبالإغراء بالمناصب (١) ، ثم بالإصهار إلى القبائل ، وبغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها (٢) .. واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على
__________________
١ ـ قد تقدم نموذج من ذلك بالنسبة لأبي سفيان ، وغيره.
٢ ـ كما جرى لأبي ذر ، وابن مسعود ، وعمار وغيرهم .. ولا سيما في عهد معاوية فمن بعده ..