الناحية الأولى : بعث اليأس في نفوس خصوم الحكم ، وبالأخص في نفس شخص أمير المؤمنين عليهالسلام ، الذي يعتبرونه أقوى منافس ، بل المنافس الوحيد لهم ، وبالتالي في نفوس الهاشميين جميعاً ، والقضاء على كل أثر من آثار الطموح والتطلع إلى هذا الأمر لديهم .. حيث إنهم كانوا يرون ـ حسب فهمهم وتقديراتهم الخاطئة : أن المسألة لا تعدو عن أن تكون مسألة شخصية ، ترتبط بشخص علي عليهالسلام ، ورغبة نفسية جامحة لديه ، أذكاها النبي الأكرم ، محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تصريحاته ومواقفه المتكررة ، التي كانت تهدف لتكريس الأمر لصالح أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ..
صحيح .. أنه قد كان للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ذرو من قول ـ على حد تعبير عمر ـ وتصريحات كثيرة ، ولكن ما الذي يمنع من مخالفته ، ما دام أنه لم يكن أكثر من زميل لهم وقرين ، على حد تعبيرهم (١) ...
كما أن شريحاً النميري الذي كان عامل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعامل أبي بكر ، قد جاء إلى عمر بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأخذه عمر ، ووضعه تحت قدمه ، وقال : لا ، ما هو إلا ملك انصرف (٢).
نعم .. وإن تلك الرغبة يمكن سلوها ، وصرف النظر عنها ، ثم اليأس منها مع مرور الأيام ، ومع رؤية تمكن الآخرين ، وإحكام أمرهم ، قوة سلطانهم ..
ومما يشهد لما ذكرناه : سؤال عمر لابن عباس : كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر.
__________________
١ ـ فقد قال عمر ، حينما أخبروه : أن الناس يعيبون عليه أنه ينهر الرعية ، ويتصرف ببعض الأحكام : « أنا زميل محمد ». راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٩١ ط الاستقامة. وراجع : الفائق ج ٢ ص ١١.
وتفسير ذلك ، بأنه كان قد زامله في غزوة قرقرة الكدر. ـ كما ذكره الطبري والزمخشري ـ لا ينسجم مع طبيعة الموقف ، وما يريد عمر إظهاره في هذا المجال ، رداً على اعتراضاتهم عليه بأنه يغير بعض الأحكام .. وسيأتي : أنهم كانوا يرون لأنفسهم حق التغيير في الأحكام بل وحق التشريع أيضاً ، فانتظر ..
٢ ـ راجع : تاريخ المدينة ، لابن شبّة ج ١ص ٥٩٦.