فهذا العقل قادر على إدراك الحُسْن والقُبْح في كثير من الأفعال ، ولهذا يعاقب صاحبه على فعل القبيح إذا شخّصه ، ويجازى بالإحسان ويؤجر على فعل الحَسَن إذا شخّصه ، وإن لم يبلغه حكم الله ـ تعالى ـ فيهما ، ولم تصله الشرائع السّماويّة ، ولم يتّصل بنبيٍّ أو رسولٍ ، وإذا كان الأمر كذلك ، فخالق العقل أولى بأن يلتزم بذلك ، ولا يخالف حكم العقل الصّريح ، ولهذا قالوا : « كلُّ ما حكم به العقل ، حكم به الشّرع ».
وأمّا ادّعاء أنّ العقل عاجز عن تشخيص الخير والشرّ والتمييز بين الحَسَن القبيح فهو خلاف الفطرة السَّليمة وخلاف الوجدان ، لأنّ الإنسان لو التفت قليلاً إلى نفسه وإلى العقلاء من حوله يكشف ـ لا محالة دون انتظار ولا تأمُّل ـ زيف هذا الادّعاء وبطلانه ، وفضلاً عن أنه يناقض الأحاديث الكثيرة القاضية بحجّيّة العقل ، إذ هذه الأحاديث أيضاً كفيلة بردّ هذه المزاعم وبطلانها ، ومعنى قوله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) (١) أي لا يريد إلا الخير والفعلَ الحسن.
س) تقدّم أنّ الذّات المتعالية منزّهة عن فعل القبيح والشّر ،
__________________
(١) سورة هود : ١٠٧.