ثم إنّا نقف على قبورهم وأمام أضرحتهم فنسلّم عليهم ونقول : « أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي وتردّ سلامي » (١) وما كان هذا حاله كان نافعاً في حياته ومماته ولم يحجبه الموت عن الدُّنيا ، ولا يحول بينه وبين أهلها شيء ، وإلّا لكان السّلام عليه وزيارته لغواً وعبثاً.
أضف إلى ذلك أنّ في الاستشفاع والتوسّل ببعض الأموات سرّاً مكنوناً ولطفاً خفيّاً ، ذلك أنّ الله ـ تعالى ـ كما جعل من المعاد والحساب وسيلة وسبباً لحصول كلّ ذي حقٍّ حقّه الّذي حرم منه في الدُّنيا ، وإظهار مقام من خفي على الآدميين مقامه في الدُّنيا وإبراز منزلته ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) (٢) ، والاقتصاص للمظلوم ممّن ظلمه في الدُّنيا ، فكذلك جعل الموت لبعض أوليائه الّذين أخفيت مقاماتهم في الدُّنيا ، وماتوا دون أن تعرف منزلتهم ، سبباً ووسيلة للكشف عن مقاماتهم وإبراز هويّاتهم في هذه الدُّنيا قبل الآخرة وقيام السّاعة ، بإظهار كرامات منهم بعد التوسّل إليهم ، ليستيقن الناس أنّ العدالة الإلهيّة والإحسان الرّبانيّ على
__________________
(١) المزار ( محمد بن المشهدي ) ص ٢١١ ، اقبال الاعمال ج ٣ / ١٣٤ ، المزار ( الشهيد الاول ) ص ٩٧.
(٢) سورة الطارق : ٩.