أصبحت وربي محمود ، أصبحت لا اشرك بالله شيئا ، ولا أدعو مع الله أحدا ولا أتخذ من دونه وليا ، أصبحت عبدا مملوكا لا أملك ألا ماملكني ربي ، أصبحت لا أستطيع أن أسوق إلى نفسي خير ما أرجو ، ولا أصرف عنه شر ما أحذر ، أصبحت مرتهنا بعملي ، وأصبحت فقيرا لا أجد أفقر مني ، بالله اصبح وبالله امسي ، وبالله أحيى وبالله أموت ، وإلى الله النشور (١).
تبيين : ( أقرب إلى من حبل الوريد ) إشارة إلى قوله سبحانه ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) (٢) والوريدان : عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها ، متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه ، وقيل : سمى وريدا لان الروح ترده ، وقيل هو عرق بين العنق والنكب ، والحبل العرق ، وإضافته للبيان أي نحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد والنسبة تجوز بقرب الذات لقرب العلم لانه موجبه ، وحبل الوريد مثل في القرب قال الشاعر : والموت أدنى لي من الوريد كذا ذكره البضاوي ، وقيل : الوريد عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه أو نحن أقرب إليه من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه.
أقول : ويحتمل أن يكون النكتة في ذكر الوريد بيان جهة قربه سبحانه وأنه القرب بالعلية لابحسب المكان ، فان قوام الشخص بهذا العرق ، وبقطعه يموت الانسان ، ويظن الانسان أن بقاءه وحياته به ، فقال تعالى : نحن أدخل في وجوده و بقائه من ذلك العرق ، لانه أحد الاسباب الذي خلقه الله لبقائه ، وهو وسائر العلل بيده.
( يامن يحول بين المرء وقلبه ) أي يصرف قلبه عما يريده إلى غيره ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( عرفت الله بفسخ العزائم ) أو يذهله عما هو مخزون في قلبه : أو يعلم مما في قلب الانسان مالايعلمه فهو أقرب إلى قلبه منه ، فكأنه حائل بينه وبينه.
____________________
(١) الفيه ج ١ ص ٢٢. (٢) ق : ١٦.