لطائف الاستعمال القرآني كثرة ورود المصدر وصفا إما على سبيل الإسناد خبرا ، أو على سبيل النعت أو الحال. قال تعالى في سورة الإسراء :
( نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ) (١).
وقال تعالى في سورة الكهف :
( فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنّتك ويرسل عليها حسبانا من السّماء فبصبح صعيدا زلقا (٤٠) أو يصبح ماؤُها غورا فلن تستطيع له طلبا (٤١) ) (٢).
والمصدر في الآية الأولى خبر المبتدأ ، وهم يزعمون أن اسم المعنى لا يخبر به عن اسم الذات فتأمل. وفي الآية الثانية خبر الفعل الناسخ.
وقال تعالى في مورة الفرقان :
( وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا ) (٣) يقول الزمخشري : « هونا حال أو صفة للمشي ، ... إلا ان وضع المصدر موضع الصفة مبالغة » (٤).
ويعقب المرحوم الدكتور الجواري على هذه الظاهرة بقوله : « وهذا ديدن النحاة إذ أنهم يجنحون إما الى التأويل بتقدير مضاف حتى يكون هو المصدر صالحا لوصف اسم الذات أو الإخبار عنه ، وإما الى تفسيره على صورة المبالغة والمجاز. على أن شيوع هذا الاستعمال ووفرته يشعران بأن التأويل والتقدير وصرف المعنى الى المجاز والمبالغة أمور لا ضرورة لها ولا سبب ، بل أنها قد تخرج العبارة عن المعنى الذي قصدت إليه » (٥).
وقد يقترن الاستعمال الحقيقي بالتعبير المجازي في القرآن ، لتأكيد حقيقة كبرى ، وتصوير معلم بارز من معالم الأحداث المهمة ، يشكل من خلالهما القرآن خصائص أسلوبية مميزة في العرض والأداء والتعبير ، حتى
__________________
(١) الإسراء : ٤٧.
(٢) الكهف : ٤٠ ـ ٤١.
(٣) الفرقان : ٦٣.
(٤) الزمخشري ، الكشاف ٣ : ١٠٣.
(٥) أحمد عبد الستار الجواري ، نحو القرآن : ٦٩ ـ ٧٠.