تعود تلك الخصائص ظاهرة لغوية معينة يؤكدها أسلوب القرآن المرة بعد الأخرى ، وتمثلها في كتاب الله تعالى عند الآية ، هذه الخصائص تتجسد بأبرز مظاهرها الفنية في إسناد الحدث الى غير فاعله ، وتحاشي ذكر المسبب في إيجاده ، وكان القرآن في هذا وذاك يريد التوجه الجدي الحثيث منصبا الى الحدث ذاته ، والتفكير منحصرا في أبعاده دون النظر في الفاعل والمبدع له ، أنى كانت نوعيته وكيفيته ، وهذا ما حدب على تصويره القرآن في مظهرين عظيمين حينما يتحدث عن يوم القيامة مثلا. المظهر الأدل في مجاله ، الحقيقي وتعبيره الأستعمالي الأصل :
١ ـ يتحدث النص القرآني عن أحداث الساعة ، والتزلزل الكوني في العالم عندها ، والتغيير المفاجىء لمعالم الدنيا البصرية والحسية ، فتجيء صفة الأحداث في إسنادها مبنية للمجهول في عشرات الأيات بل مئاتها من القرآن ، ولنقف عند سورة التكوير :
( إذا الشّمسُ كوّرتْ (١) وإذا النُّجوم انكدرتْ (٢) وإذا الجبال سيّرت (٣) وأذا العشار عطلّت (٤) وإذا الوحوش حشرت (٥) وإذا البحار سجّرت (٦) وإذا النّفوس زوّجت (٧) وإذا الموءودة سئِلت (٨) بأيّ ذنب قتلت (٩) وإذا الصّحف نشرت (١٠) وإذا السّماء كشطت (١١) وإذا الجحيم سعّرت (١٢) وإذا الجنّة أُزلفت (١٣) علمت نفس مّا أحضرت (١٤) )(١).
وباستقراء هذه الآيات الاربع عشرة ، نجد منها اثنتي عشرة أية قد بنيت أفعالها للمجهول ، وطوي ذكر الفاعلى فيها وهي :
كورت ، سيرت ، عطلت ، حشرت ، سجرت ، زوجت ، سئلت ، قتلت ، نشرت ، كشطت ، سعرت ، أزلفت.
والقارىء للقرآن يدرك بالفطرة المودعة لديه ، أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى بقدرته ، أو بأمره ، أو بإرادته ، أو بتوجيهه لملائكته في تنفيذ ذلك ، فصدوره عنه لا شك في ذلك لأنه الجامع بين هذه الأشتات ، والمنظم لهذه المتفرقات ، أوجدها وسخرها وأنطقها ورتبها ، ولكن
__________________
التكوير : ا ـ ١٤.