ولهذه الحقيقة أدلة وشواهد كثيرة ، فحينما طلب معاوية من عبدالله بن سعد بن أبي سرح البيعة أجاب : ( ما كنتُ لاُبايع رجلاً أعرف أنّه يهوى قتل عثمان ) (١).
وقال عمرو بن العاص لمعاوية : ( إنَّ أحق الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت ... أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام ، واستغاثك فأبطأت ، وأما أنا فتركته عياناً ) (٢).
وكان ابن العاص يحرّض على قتل عثمان حتى الراعي في غنمه ، وحينما سمع بمقتله قال : ( أنا أبو عبدالله ، أنا قتلته وأنا بوادي السباع ) (٣).
فالذي تباطأ عن نصرة عثمان والذي حرّض الناس على قتله هل يكونا مجتهدين في المطالبة بدمه ؟ إلاّ أن نقول إنّ التباطؤ والتحريض هو اجتهاد للوصول إلى الخلافة ، واجتهد معاوية أيضاً حينما أصبح خليفة بترك ما يسميهم قتلة عثمان خوفاً على سلطانه (٤) !!
فلا ميزان ولا مقياس للاجتهاد عند أصحاب هذا الرأي ، وهذا التبرير مخالف للقواعد الثابتة للإسلام ، فالإسلام ثابت بموازينه وقيمه ، والمسلمون هم الذين يقتربون ويبتعدون عن تلك الموازين والقيم ، فيصيبون ويخطؤون ، ومن الأفضل للباحثين أن يصفوا الأشخاص بالوصف الذي يستحقونه دون تبرير حفاظاً على سلامة الموازين والقيم
__________________
(١) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١١٥٣.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٩٨.
(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٥.
(٤) أنساب الأشراف ١ : ١٢٥.