التدقيق والتمحيص العقليين والتخصص في المناظرة والجدل ، لم تبرز هذه المسائل فجر الرسالة في نطاق علم خاص لأن العقائد زمن الرسالة ونزول القرآن كانت تواكب المسيرة والدعوة ويعيشها الناس حياة وحركة لا جدال وفرضيات .. من هنا لم تكن الحاجة ملحة لصياغة نظرية لمسائل علم قائم بذاته.
فمرحلة التأسيس تقوم على اعتبار أن القرآن هو المنطلق لنشوء هذا العلم سواء من جهة المضمون أو من جهة المنهج. والزمخشري يقرّر هذه الحقيقة حيث يذهب أن الإغماض في القرآن وتشابه بعض معانيه هو السرّ في دفع المسلمين للبحث والنظر والتفكير والاستنباط و ( ولو كان كله ( القرآن ) محكماً لتعلق الناس بسهولة مأخذه ولأعرضوا عمّا يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال ، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصّل إلى معرفة الله وتوحيده إلاّ به. ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز من الثابت على الحق والتزلزل فيه ولما في تقادح العلماء واتباعهم القرائح في استخراج معانيه وردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمّة ونيل الدرجات عند الله ) (١).
ثمّ إن القرآن لا يخلو من آيات بديعة في مجادلة المشركين وأتباع الديانات الأخرى ونقض مزاعمهم ممّا شجّع المسلمين أكثر فأكثر على بلورة هذا العلم وتأسيسه. إضافة إلى ما نقله الحديث من محادثات
__________________
١ ـ الزمخشري ، الكشاف ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ج١ ص ٣٣٨.