إن نزول الوحي الإلهي على قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان إيذاناً ببدء الرسالة الخاتمة وكذلك إيذاناً بتحول كبير في التصور العام للإنسان والحياة والعالم. لقد رسمت الآيات الأولى من سورة العلق منهجاً جديداً في رؤية الكون ورسالة الإنسان إنها تؤسس لقراءة مزدوجة قراءة في عالم الطبيعة : والاستفادة مما تزخر به من قدرات وامكانات وقراءة باسم الله بمعنى منفتحة على ما يزخر به الغيب من مواهب وعطاءات ... إنه التوازن الدقيق بين مستلزمات عالم الطبيعة وعالم الغيب (١).
إن النص القرآني هو الذي أسّس لنشوء علم الكلام لأنه بما تضمّنه من حقائق عن علم الله وقدرته وحياته عنن النبوة والمعاد والإمامة وجه الأنظار إلى مثل هذه القضايا إضافة إلى إلحاحه الشديد على وجوب النظر والفكر والتأمل وإقامة البرهان والجدل بالتي هي أحسن .. لقد احتلت هذه المطالب مساحة كثيفة فاق القرآن بها ما تضمنته الكتب السماوية الأخرى.
ولكن لما كان في تاريخ كل دين يمرّ بمرحلة تتسم بالتسليم والانقياد القلبي بعيداً عن المناقشة والجدال في تفاصيل العقيدة قبل بلوغ مرحلة
__________________
١ ـ يشار إلى أن نظرية المزج بين ( قراءتين ) فصلها أبو القاسم حاج محمد في كتابه العالمية الإسلامية الثانية فصل ( الوعي المحمدي ) فليراجع.