وإن أنكر التمايز بينها فإن هذا خلاف الوجدان وثبوت الاختلاف بين النوعين من القضايا إذ ( أن اليقين بالحقيقة الرياضية يصل منذ اللحظة الأولى من إدراكها إلى درجة كبيرة لا يمكن تجاوزها بينما نجد اعتقادنا بالقضايا الطبيعية يزداد باستمرار كلما تظافرت التجارب وأكدت صدق القضية وموضوعيتها ) (١).
ثانياً : هذا الفارق الأول وأما الفارق الثاني إن قضايا الرياضة والمنطق تبدو يقينية بدرجة لا يمكن أن نتصور إمكان الشك فيها بينما يمكن أن تشك في القضايا الطبيعية مهما كنا متأكدين من صدقها.
وثالثاً : ان قضايا العلوم الطبيعية لا تتجاوز حدود التجربة بمعنى إذا تصورنا عالماً آخر غير عالمنا فان هذه القضايا ليست بالضرورة صادقة هناك.
ولكن القضايا الرياضية والمنطقية تتجاوز كل عالم نتصوره فـ ١ + ١ = ٢ صحيحة في أي عالم نتصوره فالتعميم يتعدى العالم الذي نعيشه.
لما واجه المذهب التجريبي هذه المشكلة ( التفريق بين القضايا الرياضية والقضايا الطبيعية ) اضطر إلى قبول نفي الفوارق وصارت حينئذ المعارف الرياضية احتمالية وثبت بذلك فشل المذهب التجريبي في تفسير المعرفة البشرية. من هنا حاول المنطق الوضعي تفسير الفروق بين هذين النوعين من القضايا ( الرياضية والطبيعية ) على أساس التفريق بين القضايا الإخبارية والقضايا التكرارية ،
__________________
١ ـ م. ن ، ص ٤٨٥.