( الدير ) (١). للاشتغال بطلب العلوم الدينية ليصبح ( قسيسا ). وكان أخي لا يأتي إلى البيت إلا مرة واحدة في السنة ولفترة قصيرة ، ولهذا كان والدي يرسلني لزيارته بين حين وآخر في الدير ، فكنت أرى الأجواء الروحية التي كانت تهيمن على ذلك المكان فتترك في نفسي الأثر الروحي ، وكذلك كنت اسأل أخي عن كيفية الدراسة والموضوعات التي يدرسونها ، فكان يحدثني عن مسائل كثيرة لم أكن أفهمها في ذلك الوقت ، ولا أخفي فأني كنت في قرارة نفسي أغبطه على تلك الحياة التي يعيشها منزويا عن الناس والدنيا.
وعندما تجاوزت العشرين تعمقت هذه المعتقدات أكثر ، ولكن ـ للأسف ـ لا عن وعي وبحث بل عن تقليد أعمى ، وقبول كل تعاليم الكنيسة على أنها أمور صحيحة ومسلم بها على أنها تعاليم سيدنا يسوع المسيح ( عليه السلام ) ، ولم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن أبحث وأحقق في هذه العقائد ، ولعلي لا أكون ملوما على هذه المسألة ، لأني كنت أرى أغلب الناس على هذه الحال ، فالانشغال والانغماس في الحياة المادية والدنيوية والتعلق بها ، أدى إلى حصر الفكر والعقل في زاوية وجهة واحدة وهي التفكير في تهيئة أسباب ووسائل لحياة سعيدة في الدنيا ، وأما الآخرة والدين والعبادات
__________________
(١) الدير : ـ وهو مدرسة دينية خاصة تقع في بغداد يتخرج منها الطالب ( قسيسا ).