مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) (١) وغيرها من القصص الأخرى الكثيرة ، وأيضا منها الإخبار عن الحوادث المستقبلية ، كالإخبار عن انتصار الروم بعد هزيمتهم كما في قوله تعالى ( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بعض سنين ) (٢).
والصفة الأخرى التي يتميز بها القرآن هي بلاغته وفصاحته التي تحدى بها الإنس والجن في أن يأتوا بسورة واحدة من سوره. مع أن عرب الجاهلية مشهورون بفصاحة لسانهم ، وبلاغة حديثهم ، بل لا نبالغ لو قلنا بأن ما بلغه عرب الجاهلية من الفصاحة والبلاغة وكمال البيان لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم السابقة لهم أو المتأخرة عنهم ، ومع هذا فأنهم وقفوا متحيرين بما يصفون هذا الكلام الذي لم يسمعوا بأبلغ وأروع منه قط ، وهذا ما أعترف به بعض فصحاء المشركين أنفسهم ، فما كان منهم إلا أن رموه بالسحر ، لسمو معانيه ، وعذوبة أسلوبه ، وشدة تأثيره في نفوس الناس.
__________________
(١) آل عمران ـ ٤٤.
(٢) سورة الروم آية ( ١ ـ ٦ ) والقصة باختصار هي : ينقل التاريخ أن دولة الروم ـ وكانت دولة مسيحية ـ انهزمت أمام دولة الفرس وهي وثنية ، بعد حروب طاحنة بينهما سنة ٦١٤ م. فاغتم المسلمون ، وفرح المشركون وقالوا للمسلمين : سنغلبكم كما غلبت الفرس الروم ـ ولكن وكما وعد القرآن فإن الروم استطاعوا أن يهزموا الفرس في سنة ٦٢٤ م. الموافقة للسنة الثانية للهجرة. الإلهيات ج ٣ ص ٤١٥.