المسلمين سدّوا باب ما أراد الله فتحه وبالغ وأكثر فيها ، وفتحوا الباب الّذي أراد الله سدّه وبالغ وأكثر في المبالغة ، ويقتضي فتحه سدّ ذلك الباب بالمرّة واندراس المعروف وقرض الحسنة بالكلّية إلى أن لا يسمع الاسم ، ولا يوجد الرسم (١).
ومع ذلك فتحوا باب الحيلة وسهّلوها في نظر العالمين ، وأشاعوها بينهم ، إلى أن صار المدار في الأعصار والأمصار عليها ، من دون تفاوت عندهم بينها وبين غيرها من المباحات ، مع أنّه تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل بارتكابهم الحيلة في صيد البحر ، وقال تعالى ( فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) ، والمراد ب ( لِما بَيْنَ يَدَيْها ) الجماعة الموجودون في ذلك الزمان ، وب ( ما خَلْفَها ) الجماعة الآتون بعدهم إلى يوم القيامة.
ومن عجائب الاتّفاقات أنّي لمّا أوردت الاعتراض على بعض المحلّلين بهذه الحيل حين استدلاله بقوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) بأنّه تعالى قال أيضا ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) ، فمن أين ظهر دخول ما ذكرت في الأوّل دون الثاني؟! دعاه ذلك إلى أن يلاحظ قول المفسّرين ، فأخذ القرآن لينظر أنّ الآية في أيّ موضع ، فأوّل ما فتح القرآن وقع نظره على حكاية بني إسرائيل واستحلالهم الصيد ، وما صار عليهم من النكال ، وأنّه نكال غيرهم إلى يوم القيامة ، تغيّر وجه ذلك الفاضل واضطرب ، وشرع في الاستغفار ، ثمَّ ذكر بعد ذلك بمدة أنّه رجع عن اعتقاده ، وحكم بفساد هذه الحيلة.
ومن عظم خطر هذه الحيل ـ مضافا إلى ما مضى ويأتي ـ أنّ كثيرا من
__________________
(١) في ألف : ( إلى أن يسمع الاسم ولا يوجد الرسم ).
(٢) البقرة (٢) : ٦٦.
(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.