أقول : منشؤه : النظر الى أن قبول الاستثناء في الاقرار على خلاف الاصل بمقتضى الدليل ، لما فيه من الانكار بعد الاقرار ، ترك العمل به في سماع الاستثناء من الجنس لدليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه.
ولان الاستثناء من غير الجنس لو صح ، لصح اما من اللفظ أو من المعنى ، والقسمان باطلان ، فالقول بصحة الاستثناء من غير الجنس باطل.
أما الاول ، فلان اللفظ الدال على شيء بعينه غير دال على ما يخالف جنس مسماه ، واللفظ اذا لم يدل على مسماه لا يحتاج الى صارف يصرفه عنه ، لاستحالة تحصيل ما هو حاصل.
وأما الثاني ، فلانه لو جاز حمل اللفظ على المعنى المشترك بين مسماه وبين المستثنى ليصح الاستثناء ، لجاز استثناء كل شيء من كل شيء ، لان كل شيئين لا بدّ أن يشتركا من بعض الوجوه ، فاذا حمل المستثنى على ذلك المشترك صح الاستثناء.
ولما عرفنا أن العرب لم يجوزوا استثناء كل شيء من كل شيء علمنا بطلان هذا القسم ، وهو اختيار فخر الدين الرازي من الاصوليين وأكثر الفقهاء والنحاة.
والالتفات الى أن في القرآن والشعر والمعقول ما يدل على جواز ذلك.
أما الاول ، فآيات خمس :
الاول : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّا خَطَأً » (١).
الثاني : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلّا إِبْلِيسَ » (٢) ولم يكن من الملائكة بل من الجن.
الثالث : « لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
__________________
(١) سورة النساء : ٩٢.
(٢) سورة الحجر : ٣٠.