لمنصب العرش البطريقي، الذي کان شاغراً منذ مدة طويلة، وسيطاً بين «الرعية» المسيحية والسلطان فأصبح بذلک مسؤولاً عن اخوانه في الدين وعن إخلاصهم للفاتح وعن دفعهم للـ «خراج» (١) أي ضريبة الرأس. لقد أغدق السلطان نعمه على البطريق الجديد وقدم له بيده العصا وألبسه الخاتم، وبذلک يکون السلطان قد التزم بکل الطقوس التي کانت تتبع في مثل هذه الحالات في عهد الأباطرة البيزنطيين (٢). ورقي کناديوس في الوقت نفسه إلى باشا من ذوي الأطواغ الثلاث، ومنح لقب «ملت باشي» أي رئيس طائفة وتسلم «براءت» وهي وثيقة سلطانية تفوضه حکم المسيحيين کافة دون رقيب تقريباً.
وقد أخضعت لصلاحية بطريق القسطنطينية بموجب هذه «البراءت» التي أصبحت مثلاً جرى الالتزام به بالنسبة لجميع البطارقة في المستقبل، جميع الشؤون الکنسية ابتداءً من تعيين واقصاء الأساقفة وغيرهم من رجال الدين وانتهاءً بالدعاوي وشؤون الزواج والطلاق والارث وما أشبه. کما اعترف للبطريق فضلاً عن ذلک بالحق في إصدار القرارات في القضايا المدنية والجنائية التي لا يشترک فيها مسلمون والتي لا يتعدى العقاب فيها السجن أو النفي إلى الگاليرا، علماً بأن الجهة التي تنفذ قرارات البطريق
______________________
(١) لواقع أن التسمية الأصلية لضريبة الرأس التي تؤخذ من غير المسلمين هي «الجزية» لکنها کانت تسمي في بعض الأحيان «خراجاً» أيضاً. وقد ألغيت الجزية في الدولة العثمانية في عام ١٨٥٦ وحلت محلها ضريبة أخرى هي «بدل العسکرية» ـ المترجم.
(٢) F. Van den steen de jehay. De la Situation Legale des Sujets Ottomen non- musulmans Bruxelles. ١٩٠٦. P. ٨٨.