وهکذا ظلت فرنسا الحامي الوحيد لرعايا السلطان الکاثوليک حتى مؤتمر باريس ١٨٥٦ الذي طرحت فيه لأول مرة قضية تدخل الدول بصورة جماعية لصالح الرعايا المسيحيين في الدولة العثمانية ثم دخل هذا المبدأ في الممارسة الدولية نهائياً عن طريق مؤتمر برلين الذي ساوى بين الدول الکاثوليکية والبروتستانتية في حقوق الحماية الدينية، فالمادة الثانية والستون من مقررات هذا المؤتمر تنتهي بالکلمات المهمة التالية :
« يعترف لوکلاء الدول الدبلوماسيين والقنصليين في الدولة العثمانية بحق حماية الشخصيات الدينية والرهبان والحجاج من جميع القوميات وکذلک المؤسسات الدينية والخيرية وغيرها في فلسطين وفي غيرها من الأماکن ».
صحيح أن المادة الثالثة والستين من
معاهدة برلين تؤکد احتفاظ فرنسا بحقوقها السابقة في الحماية الکلية للکاثوليک من جميع الأمم الذين يعيشون في الدولة العثمانية لکن المانيا أخذت منذ ١٨٩٢ تحاول أن تعطي لهذه المادة، بمساعدة رجال القانون الأتراک، تفسيراً محدوداً بمعنى عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية للمؤسسات الکاثوليکية التي أنشأت بعد ١٨٧٨ أي بعد مؤتمر برلين والتي لا تعود إلى رعايا فرنسا. وأخيراً حدث في ١٩٠١ بمناسبة الصدام الدموي الذي جرى في القدس بين رهبان يونانيين وکاثوليک من رعايا المانيا وايطاليا، أن هب الممثلون القنصليون لهاتين الدولتين مدافعين عن مواطنيهم الأمر الذي أدى إلى الاعتراف بحق المانيا وايطاليا في حماية رعاياهما الکاثوليک في الدولة العثمانية رسمياً بمرسوم سلطاني خاص. أما النمسا التي لم تکن حتى هذا الوقت لديها القدرة على منافسة فرنسا منافسة جدية في قضية الحماية الدينية للکاثوليک العثمانيين فقد استطاعت خلال القرن التاسع عشر أن تحقق نتائج باهرة في هذا