السنين ولذا فليس من المستغرب أن نجد أن المواضع التي كانت قبل ٣٠٠٠ سنة أي منذ وقت قريب من وجهة نظر الجيولوجيا تحت الماء هي الآن برُّ صلب، وتشير حسابات العالم الإنجليزي راولنسون إلى أن مياه الخليج تراجعت في الفترة من ١٧٩٣ إلى ١٨٥٣ أي خلال ٦٠ سنة بمقدار ٣٢٠٠ متراً باتجاه الجنوب أي بعدل ٥٣م سنوياً الأمر الذي يسمح بالافتراض بأن ضفة الخليج الشمالية كانت قبل ثلاثين قرناً تقع إلى الشمال من القرنة الحالية بمسافة ٣٠ ميل (١).
ويحتل الفرات ودجلة في حياة العراق نفس الأهمية التي يحتلها النيل في مصر، وكما إنه لم يكن بالإمكان تصوّر قيام أية حضارة هناك بدون ذلك النهر المقدس في نظر المصريين كذلك كان النهران كلاهما هنا أساساً لازدهار المنطقة في السابق وضماناً لانبعاثها في المستقبل. ويمكن الاختلاف بين النيل والنهرين العراقيين في أن موسم الفيضان بالنسبة للأول يقع في آب ـ تشرين الأوّل حيث يتجمع الماء الفائض في أحواض يعود منها مرة أخرى إلى النيل عند هبوط مياهه اعتباراً من شهر تشرين الثاني، في حين يحل فيضان الفرات ودجلة في شهر آذار ـ أيار ثم يعقبه أكثر فصول السنة حرارة وجفافاً اعتباراً من حزيران حتى نهاية أيلول حيث يضطر المزارعون بسبب توافق موسم هبوط المياه في النهرين مع فصل الصيف إلى اللجوء إلى ري الحقول اصطناعياً بواسطة القنوات أو مضخات المياه (٢).
ويمكن أن يطلق على الفرات ودجلة اسم: النهرين التوأمين، فكل منهما ينبع من هضبة أرمينيا من مواقع لا تبعد عن منابع الآخر ثم يفترقان
______________________
(١) E. Reclus. Novvelle Geographite Universelld. T. IX. P> ٤٠٧$.
(٢) W. willcocks: OP. cit. P. ٥.