أفلا أصدقك في هذا القدر؟! فلما ذكر ذلك صدقه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيه ولقبه بذي الشهادتين (١) ولو كان الذنب جائزا على الأنبياء لكانت شهادة خزيمة غير جائزة.
( واعلم ) أنا لما فرغنا من ذكر الدلائل الدالة على عصمة الأنبياء فلنذكر الآن ما يدل على عصمة الملائكة. ويدل عليه وجوه أربعة :
( الأول ) قوله تعالى في صفة الملائكة : ( يَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ ) (٢) يتناول جميع الملائكة في فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات ، لأن كل من نهى عن فعل فقد أمر بتركه.
( الثاني ) قوله تعالى في وصفهم ( بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٣).
( الثالث ) قوله تعالى : ( يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ وَاَلنَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ ) (٤) وما كانت صفته كذلك لا يصدر عنه الذنب.
( الرابع ) أن الملائكة رسل اللّه لقوله تعالى : ( جٰاعِلِ اَلْمَلاٰئِكَةِ
__________________
١ ـ هو خزيمة بن ثابت الأوسي الانصاري من السابقين الاولين. روى عنه ابنه عمارة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربي فجحده سواء فشهد خزيمة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : « ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا؟ قال : صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول الا حقا فقال النبي صلّى اللّه تعالى عليه وسلم : من شهد له خزيمة أو عليه فهو حسبه » وحديثه رواه أبو داود وغيره ، وجعل شهادته بشهادتين رواه البخاري.
٢ ـ سورة النحل الآية ٥٠.
٣ ـ سورة الأنبياء الآية ٢٧.
٤ ـ سورة الأنبياء الآية ٢٠.