وفيها أبحاث أخر من حيث أن بعض الملاحدة قال : إن إبراهيم استدل على الشيء بما لا يدل عليه. وذكر أشياء لا تصح ، فكان الطعن متوجها ، ونحن نذكر كل واحد من تلك الأسئلة الأربعة عشرة مع جوابه.
( السؤال الأول ) قوله تعالى : ( فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً ) (١) دلت الآية على أنه نظر في حال الكواكب أولا ، ثم القمر ثانيا ، وفي حال الشمس ثالثا ، ولا شك أن تلك الليلة مسبوقة بنهار ، وأنه كانت الشمس طالعة ، فلم لم ينظر في النهار السابق على تلك الليلة في حال الشمس ، بل كان ذلك أولى لأن الشمس أعظم من القمر والكواكب ومتى ثبت أن الأعظم لا يصلح للآلهية فالأضعف أولى؟
( جوابه ) أن أم إبراهيم لخوفها عليه وضعته في كهف مظلم فلما تثبت وعقل دنا من الباب فرأى الكوكب ، فقد خطر بباله إثبات الصانع فقال ما قال (٢) وقيل : إنه كان لا يشار له إلى معبود ثم أشير إلى الكواكب فعند ذلك قال ما قال اعتبارا.
__________________
١ ـ سورة الانعام الآية ٧٦.
٢ ـ قال أبو محمد بن حزم : وأما قول ابراهيم اذ رأى الشمس والقمر (هذا ربي) فقال قوم ان ابراهيم قال ذلك محققا أول خروجه من الغار وهذا خرافة موضوعة مكذوبة ظاهرة الافتعال. ومن المحال الممتنع أن يبلغ أحد حد التمييز والتكليف بمثل هذا وهو لم ير قط شمسا ولا قمرا ولا كوكبا. وقد أكذب اللّه هذا الظن الكاذب بقوله الصادق (وَلَقَدْ آتَيْنٰا إِبْرٰاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنّٰا بِهِ عٰالِمِينَ) ـ الى أن قال ـ والصحيح من ذلك انه انما قال ذلك موبخا لقومه كما قال لهم نحو ذلك في الكبير من الاصنام ولا فرق ـ الى أن قال : وبرهان قولنا هذا أن اللّه تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكر ولا عنفه على ذلك بل صدقه تعالى بقوله : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنٰا آتَيْنٰاهٰا إِبْرٰاهِيمَ عَلىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجٰاتٍ مَنْ نَشٰاءُ ) فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم وغيره بل وافق مراد اللّه.