أما الطائفة الثانية ـ فهي طائفة المجتهدين (١) ـ الذين كانوا يفتون بالرأي في محضره صلىاللهعليهوآله ، ويبتغون المصلحة مع وجود النص ، وهؤلاء وإن كانوا معتقدين برسالة الرسول لكنهم لم يعطوه تلك القدسية والمكانة التي منحها الله إياه ، فكانوا ـ في كثير من الأحيان ـ يتعاملون معه كأنه بشر غير كامل يخطئ ويصيب ، ويسبّ ويلعن ثم يطلب المغفرة للملعونين (٢).
وهذا الانقسام بين الصحابة كان من جملة الأسباب التي أدت لاختلاف المسلمين في الأحكام الشرعية بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد كان هذا الانقسام منطويا على علل أخرى كثيرة ستقف على بعضها في بحوثنا الآتية.
بلى ، إنّ دعاة الاجتهاد استدلوا على شرعية هذا الاختلاف بقوله صلىاللهعليهوآله : ( اختلاف أمتي رحمة ) (٣) ، لكن أحقاً أن ( اختلاف أمتي رحمة ) بالمعنى الذي
______________________________
(١) الاجتهاد الذي نهى عنه الله ورسوله وأئمّة أهل البيت هو بمعنى الإفتاء بالرأي ـ وبمثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وما شابهها ـ مع ترك النصوص القرآنية والنبوية أو التلاعب بمفاهيمها.
(٢) انظر صحيح مسلم ٤ : ٢٠٠٨ / ٩٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ٤٤٩ ، ٣ : ٤٠٠.
(٣) شرح النووي على صحيح
مسلم ١١ : ٩١ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٤٨. وقال المناوي في فيض القدير ١ : ٢٠٩ : لم أقف له على سندٍ صحيح. وفي كنز العمال ١٠ : ١٣٦ / ح ٢٨٦٨٦ ذكره ثم قال : « نصر المقدسي في الحجة ، و البيهقي في رسالة الأشعرية بغير سند ، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ، ولَعَلَّهُ خُرِّج به في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا » !!