فأمر خالد بني جذيمة بوضع السلاح ، فلمّا وضعوه غدر بهم وعرضهم على السيف لثأر كان بينه وبينهم في الجاهلية ، فلمّا انتهى الخبر إلى النبي صلىاللهعليهوآله رفع يديه إلى السماء ثمّ قال : اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد ، ثمّ أرسل علياً ومعه مال فودى لهم الدماء والأموال ... (١).
ومن ذلك قتل أسامة بن زيد لمرداس بن نهيك ـ مع بداهة حرمة دم المسلم ـ بعد أن كبّر ونطق بالشهادتين ، فقتله أسامة وساق غنمه بدعوى أنه أسلم خوفاً من السيف ، فلمّا علم رسول الله صلىاللهعليهوآله بفعله قال : قتلتموه إرادةَ ما معه ؟! ثمّ قرأ قوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (٢).
ومن ذلك قول رجل من الأنصار في قسمة كان قسمها النبي صلىاللهعليهوآله : والله إنها لقسمة ما أُريد بها وجه الله ... فشق ذلك على النبي صلىاللهعليهوآله وتغيّر وجهه وغضب... ثمّ قال : قد أُوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر (٣).
ومن العجب أنّ هذا الاتجاه كان يمارس فكرته المغلوطة حتّى فيما رخّص به رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فغضب ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ! فوالله إني لأعلمهم وأشدهم خشية (٤).
______________________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٧٠ ـ ٧٨.
(٢) اُنظر تفسير الفخرالرازي ١١ : ٣ ، والكشاف ١ : ٥٥٢ ، وتفسير ابن كثير ١ : ٨٥١ ـ ٨٥٢. والآية : ٩٤ من سورة النساء.
(٣) صحيح البخاري ٨ : ٣١ / كتاب الاداب ـ باب الصبر على الأذى.
(٤) صحيح البخاري ٨ : ٣١ / كتاب الاداب ـ باب من لم يواجه الناس بالعتاب.