ولما آل الأمر إلى هارون الرشيد ـ الذي تعدّ فترة حكمه أوج قوة العصر العباسي وعصرها الذهبي ـ نحا نفس منحى أسلافه في عدم قبول الإمام علي وابن عباس ، وإن كان الأخير جَدَّهم ـ ورفض منهج اهل البيت الفكري والفقهي ، فما أن دار الحوار السابق بين المهدي وشُرَيك ، حتّى قدم هارون الرشيد الكوفة يعزل شريكاً عن القضاء (١) ، وليس لنا حاجة هاهنا إلى شرح ظلم الرشيد للعلويين ، ولكنّ الذي نريد التأكيد عليه هو محاربته إياهم فقهيّاً إضافة إلى محاربتهم سياسياً وعسكريّاً.
فقد جاء رجل إلى الرشيد يخبره عن مكان يحيى بن عبدالله بن الحسن ، ووصف له شكله ولباسه وهيئته وجماعته ، فلم يطمئن الرشيد بل سأله : أوَ تعرف يحيى ؟
قال : قديماً ، وذاك الذي حقّق معرفتي بالأمس له.
قال : فصِفْه لي.
قال : مربوع ، أسمر حلو السمرة ، أجلح ، حسن العينين ، عظيم البطن.
قال : هو ذاك ، فما سمعته يقول ؟
قال : ما سمعته يقول شيئاً ، غير أنّي لمّا رأيته غلاماً له أعرفه ، لمّا حضر وقت صلاته فأتاه بثوب غسيل فألقاه في عنقه ونزع جبته الصوف ليغسلها ، فلمّا كان بعد الزوال صلّى صلاة ظننتها العصر ، أطال في الأولتين وحذف الأخيرتين.
______________________________
(١) تاريخ بغداد ٩ : ٢٩٢.