فصار الوضوءان خطّين متوازين لا يلتقيان.
من كل ما تقدم تتجلى حقيقة في غاية الأهمية والوضوح ، مفادها أن المعارضين للوضوء العثماني لم يكونوا قد بزغوا بزوغاً مفاجئاً فظهروا على الساحة الفقهية الإسلامية ظهوراً غير متوقع ، بل العكس هو الصحيح ، وذلك لتسلسل حلقات الاجتهادات في مقابل الكتاب والسنة من جانب ، وتسلسل حلقات المعارضة للتدوين والتحديث من جانب آخر من قِبَلِ الخلفاء ، وبقي إصرار جمّ غفير من عيون الصحابة على مواصلة التدوين والتحديث ، ومن ثمّ لجوء المانعين إلى فتح باب الاجتهاد والرأي ، وبقاء المتعبّدين على تعبّدهم المحض ومنعهم من العمل بالاجتهاد والرأي (١).
لأنّ فتح أبي بكر وعمر لباب الرأي والاجتهاد لأنفسهما هو الذي فتح من بعدهما لعامة الصحابة ذلك ، فكانت تلك نتيجة طبيعية لسدِّهما باب التدوين والتحديث والذهاب إلى شرعية التعددية وحجية الآراء.
وكان إعطاء عمر زمام اختيار الخليفة الثالث في الشورى بيد عبدالرحمن بن عوف للتأكيد على لابدِّيَّةِ الانصياع للجهة التي فيها ابن عوف مشروطاً ومقيداً بقيد اتّباع « سيرة الشيخين » (٢) ، وذلك ما أوقعه بالفعل عبدالرحمن بن عوف حين بايع عثمان على ذلك الشرط (٣) ، وأمّا
______________________________
(١) اُنظر تفصيل ذلك في كتابنا ( منع تدوين ح ، أسبابه ونتائجه ).
(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٥٨٦ ، البداية والنهاية ٧ : ١٤٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ : ٢٧٨.
(٣) المصدر نفسه.