جميع الآثار البارزة في القوم الناشئة من حالتهم الدينية كما أن المجتمع غير الديني مبني على إيمان الأفراد بمقاصدهم القومية ، ومنها تنشأ السنن والقوانين المدنية والآداب والرسوم الدائرة بينهم.
فإذا كان كذلك وصح الاعتماد في جميع الشئون الاجتماعية والاتكاء في عامة لوازم الحياة على إيمان الأفراد بطرق مختلفة كان من الجائز أن يعتمد على إيمانهم في ما لا دليل آخر يعتمد عليه ، وهو اليمين فيما لا بينة عليه بأن يربط المنكر ما ينكره من دعوى المدعي ويقيده بإيمانه بحيث يزول اعتبار إيمانه بالله ببطلان إنكاره وظهور كذبه فيما أظهره وأخبر به.
فإيمانه بسبب ما عقده باليمين بمنزلة مال الرهن الذي يجعل تحت تسلط الدائن ويراعي في عوده إلى سلطة راهن صدق وعده وتأديته الدين إلى أجل وإلا ذهب المال وبقي صفر اليد.
كذلك الحالف يعتبر مرهون الإيمان بما حلف عليه ما لم يظهر خلافه وإذا ظهر الخلاف عاد صفر الكف من الإيمان ساقطا عن درجة الاعتبار محروما من التمتع بثمرة الإيمان وهي في المجتمع الديني جميع المزايا الاجتماعية ، ورجع مطرودا من المجتمع المتلائم الأجزاء ؛ لا سماء تظله ولا أرض تقله.
ويتأيد هذا البيان بما يروى من تظاهر الناس على مقت المتخلفين عن السنن الدينية كالصلاة مع الجماعة والشخوص في الجهاد ونحوهما في زمن النبي صلىاللهعليهوآله حين كان تمام السلطة والحكومة للدين على الأهواء.
وأما في أمثال هذه الأعصار التي ضعف فيها نفوذ الدين وتسرب الهوى في القلوب وانعقد بيننا مجتمع مؤتلف من المقاصد الدينية على وهن في بنيتها وإعراض من الناس عنها ومن مقاصد المدنية الحديثة ويجمعها الاسترسال في التمتعات المادية على شيد في أساسها وإقبال عام من عامة الناس إليها ثم أخذ التنازع والتشاجر الشديد بين الدواعي الدينية والمدنية الطارقة ولا يزال يغلب هذا وينهزم ذاك ، وانثلمت وحدة النظام الواجب انبساطه على مستوى المجتمع ، وبدا الهرج والمرج في الروحيات فحينئذ لا يكاد ينفع اليمين ولا ما هو أقوى من ذلك وأحفظ لحقوق الناس ، وزال الاعتماد لا على الأسباب