على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان الملك ، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم؟ وأنى قربهم؟ وكيف نزلهم من أنبيائه منزلة أنبيائه من أممهم؟.
ثم جرهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا وأخبارا منها : قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة فقال : وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له : كن فكان ، ورووا عن أبي هريرة أنه قال : المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده.
ومن ارتكابهم أنهم فسروا كثيرا بمعنى جميع في هذه الآية وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا على أن معنى قولهم : على جميع ممن خلقنا أشجى لحلوقهم وأقذى لعيونهم ولكنهم لا يشعرون فانظر في تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملأ الأعلى كان جبريل عليهالسلام غاظهم حين أهلك مدائن قوم لوط فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم انتهى.
وما أشار إليه من رواية سؤال الملائكة أن يجعل لهم الآخرة كما جعل لبني آدم الدنيا رويت عن ابن عمر وأنس بن مالك وزيد بن أسلم وجابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلىاللهعليهوآله ولفظ الأخير قال : لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : يا رب خلقتهم يأكلون ـ ويشربون وينكحون ويركبون الخيل ـ فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة ـ فقال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له : كن فكان.
ومتن الرواية لا يخلو عن شيء فإن الأكل والشرب والنكاح ونحوها في الإنسان استكمالات مادية إنما يلتذ الإنسان بها لما أنه يعالج البقاء لشخصه أو لنوعه بما جهز الله به بنيته المادية والملائكة واجدون في أصل وجودهم كمال ما يتوسل إلى بعضه الإنسان بقواه المادية وأعماله المملة المتعبة منزهون عن مطاوعة النظام المادي الجاري في الكون فمن المحال أن يسألوا ذلك فليسوا بمحرومين حتى يحرصوا على ذلك فيرجوه أو يتمنوه.
ونظير هذا وارد على ما تقدم من استدلالهم على أفضلية الإنسان من الملك بأن وجود الإنسان مركب من القوى الداعية إلى الطاعة والقوى الداعية إلى المعصية فإذا