المرسل إليهم ومن أنفسهم كالإنسان للإنسان والملك للملك فليس بتلك الأهمية ، ولذلك لم يصرح به في الآية الكريمة.
وذلك أن كون الرسول إلى البشر وهو الذي يعلمهم ويربيهم من أنفسهم من لوازم كون حياتهم أرضية ، وكون الوحي النازل عليهم بواسطة الملك السماوي فإن اختلاف أفراد النوع المادية بالسعادة والشقاء والكمال والنقص وطهارة الباطن وقذارته ضروري والملك الملقي للوحي وما تحمله منه طاهر زكي لا يمسه إلا المطهرون ، فالملك النازل بالوحي وإن نزل على النوع لكن لا يمسه إلا آحاد منهم مطهرون من قذارات المادة وألواثها مقدسون من مس الشيطان وهم الرسل صلىاللهعليهوآله.
وتوضيح المقام : أن مقتضى العناية الإلهية هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله وسعادته ، والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع غير مستثنى من هذه الكلية ، ولا تتم سعادته في الحياة إلا بأن يعيش عيشة اجتماعية تحكم فيها قوانين وسنن تضمن سعادة حياته في الدنيا وبعدها ، وترفع الاختلافات الضرورية الناشئة بين الأفراد ، وإذ كانت حياته حياة شعورية فلا بد أن يجهز بما يتلقى به هذه القوانين والسنن ولا يكفي في ذلك ما جهز به من العقل المميز بين خيره وشره فإن العقل بعينه يهديه إلى الاختلاف فلا بد أن يجهز بشعور آخر يتلقى به ما يفيضه الله من المعارف والقوانين الرافعة للاختلاف الضامنة لسعادته وكماله وهو شعور الوحي والإنسان المتلبس به هو النبي.
وهذا برهان عقلي تام مأخوذ من كلامه وقد أوردناه وفصلنا القول فيه في مباحث النبوة من الجزء الثاني وفي ضمن قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب.
وأما الآية التي نحن فيها أعني قوله : « قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ » إلخ فإنها تزيد على ما مر من معنى البرهان بشيء وهو أن إلقاء الوحي إلى البشر يجب أن يكون بنزول ملك من السماء إليهم.
وذلك أن محصل مضمون الآية وما قبلها هو أن الذي يمنع الناس أن يؤمنوا برسالتك أنهم يحيلون رسالة البشر من جانب الله سبحانه. وقد أخطئوا في ذلك