رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » الأنعام : ١٢٤.
والآية بما تعطي من معنى الرسالة يؤيد ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهالسلام في الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول هو الذي يرى الملك ويسمع منه والنبي يرى المنام ولا يعاين ، وقد أوردنا بعض هذه الأخبار في خلال أبحاث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب.
ومن ألطف التعبير في الآية وأوجزه تعبيره عن الحياة الأرضية بقوله : « فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ » فإن الانتقال المكاني على الأرض مع الوقوع تحت الجاذبة الأرضية من أوضح خواص الحياة المادية الأرضية.
قوله تعالى : « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً » لما احتج عليهم بما احتج وبين لهم ما بين في أمر معجزة رسالته وهي القرآن الذي تحدى به وهم على عنادهم وجحودهم وعنتهم لا يعتنون به ويقترحون عليه بأمور جزافية أخرى ولا يحترمون لحق ولا ينقطعون عن باطل أمر أن يرجع الأمر إلى شهادة الله فهو شهيد بما وقع منه ومنهم فقد بلغ ما أرسل به ودعا واحتج وأعذر وقد سمعوا وتمت عليهم الحجة واستكبروا وعتوا فالكلام في معنى إعلام قطع المحاجة وترك المخاصمة ورد الأمر إلى مالك الأمر فليقض ما هو قاض.
وقيل المراد بالآية الاستشهاد بالله سبحانه على حقية الدعوة وصحة الرسالة كأنه يقول : كفاني حجة أن الله شهيد على رسالتي فهذا كلامه يصرح بذلك فإن قلتم : ليس بكلامه بل مما افتريته فأتوا بمثله ولن تأتوا بمثله ولو كان الثقلان أعوانا لكم وأعضادا يمدونكم.
وهذا في نفسه جيد غير أن ذيل الآية كما قيل لا يلائمه أعني قوله : « بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » وقوله : « إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً » بل كان الأقرب أن يقال : شهيدا لي عليكم أو على رسالتي أو نحو ذلك.
وهذه الآية والآيتان قبلها مسجعة بقوله : « رَسُولاً » وهو المورد الوحيد في القرآن الذي اتفقت فيه ثلاث آيات متوالية في سجع واحد على ما نذكر.