ولمّا رآى هبيرة وعكرمة عمرواً مقتولاً انهزموا ، ورمى ابن الغرقة (١) بسهم ، فأصاب أكحل سعد (٢) بن معاذ ، فقال : خذها وأنا ابن غرقة قال : غرق الله وجهك في النّار ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقنى لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليَّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك فأنامه رسول الله صلّى الله عليه وآله على فراشه وبات على الأرض ونادى رسول الله صلّى الله عليه وآله بأشجى صوت : « يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرّين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي وحال من معي ».
فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ استجاب دعوتك ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدّموع عينيه ، ثمّ نادى : شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي ثمّ قال جبرئيل : يا رسول الله إنّ الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السّماء فيها الحصا وريحاً من السّماء الرّابعة فيها الجنادل.
قال : حذيفة : فبعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى آتيه بخبرهم ، فخرجت فاذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل وبريح شديدة فيها الحصا ، فما تركت ناراً لهم إلّا أخمدتها ولا خباء إلّا طرحتها ، حتّى جعلوا يتترّسون من الحصا ، وكنت أسمع وقع الحصا في التّرسة ، وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبوسفيان إلى راحلته ، ثمّ صاح في قريش : النّجا النّجا ، ثمّ فعل عيينة بن حصين رأس بني فزارة مثل ذلك ، وفعل الحارث بن عوف سيّد بني مرّة مثلها وذهب الأحزاب.
ورجع حذيفة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله
وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى جلّت عظمته على رسوله : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا » (٣) وأصبح رسول الله صلّى
الله عليه وآله بالمسلمين حتّى دخل المدينة فقرّبت له ابنته فاطمة عليها السلام غسولاً فهي تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً
بعمامة بيضاء عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدّر والياقوت عليه الغبار ، فقام رسول
الله صلّى
_________________________________
(١) كذا في ق ١ وق ٤ ، وفي ق ٥ والبحار والاعلام : ابن عرقة ، وفي ق ٢ وق ٣ : ابن المعرقة والارجح بقرينة الدعاء على هذا الشخص : غرق الله وجهك في النّار ، ما في المتن.
(٢) في الاعلام فأصاب الاكحل من سعد. والاكحل : عرق في الذراع يفصد. وقيل : هو عرق الحياة ويدعي نهر البدن. (٣) سورة الاحزاب : ٩.