حيث حصر المؤمنين في الّذين علاماتهم هذه من اضطراب القلب عند ذكر الحقّ ، كما يضطرب قلب الحبيب بذكر المحبوب ، وزيادة الإيمان والإيقان بوجود الحقّ عند تلاوة آيات الحقّ والتوكّل على الحقّ وهو الإعراض عمّا سواه ، وإقامة الصلاة وهي الإقرار بولاية عليّ عليه السلام والدخول في زمر شيعته ، وإيتاء الزكاة ، وهو تصفية النفس وتزكيتها والإيقان بالآخرة ، أي بالمقام الأعلى وراء ذلك الحسّ الظاهريّ.
وهذه علامات المؤمن يعرف بها ؛ كما قال : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (١) أي آيات لائحة في هويّاتهم من أثر الفناء عن غير الحقّ في الحقّ للحقّ يعرفون بها ، واسما يستدلّ به على المفهوم أوّلا ، وعلى المصداق بملاحظة تحقّق العلامات ، فإنّها كما مرّ تجعل الحقيقة مصداقا واقعيّا لذلك الاسم.
فإطلاق ذلك الاسم على ذلك المصداق بالإشارة الحسّيّة أو العقليّة ؛ إطلاق حقيقيّ لتحقّق العلامة ، وعلى غيره ممّا لم تتحقّق فيه العلامات الواقعيّة ليس حقيقيّا ، بل ولا مجازيّا ، لرعاية المناسبة في المجازات ، ولا مناسبة هنا أصلا ، فإطلاق لفظ السعيد على الشقيّ لا يجعله سعيدا في نفس الأمر ، ولا يجري عليه أحكام السعداء ، ولا يثبت له مقام الصلحاء ، بل هو شقيّ في نفس الأمر الواقعيّ ؛ كما أنّ إطلاق اسم العسل على السمّ لا يجعله حلوا ، ولا يغيّر حقيقته وآثاره ومضارّه إلى حقيقة العسل ومنافعه.
ألا ترى إلى الله كيف منع الأعراب عن أن يقولوا آمنّا ولم يدخل الإيمان
__________________
(١) الفتح : ٢٩.