وتضلّكم عن شريعة الهداية ، فتتركون محرومين عن مشاهدة شعاشع أنوار المشيّة المحجوبة في سماء هويّتكم ، وتكونون من الخاسرين ، وأن ادخلوا في لجّة التوحيد ، واستغرقوا في قواميس التجريد ، واحترقوا في أخاديد التفريد ، لكي تفوزوا بشمّ نفحات الإخلاص ، ومشاهدة لوائح الخلاص ، فإنّ هذا هو الصراط المستقيم الّذي سلك فيه كلّ مخلص من المؤمنين.
كيف ولا يضلّ عنه من سلكه مهتديا بمصابيح أنوار الوجه القديم ، وسواذج أسرار بهاء الذات الكريم ، فلا تشركوا بي بأن تروا غير طلعتي في بساط الشهود ، وتنظروا إلى غير وجهتي في عالم الوجود فإنّ ذلك لقد أهلك كثيرا من الناس بالعمى والجهالة ، وتركهم في فيافي الردى والضلالة.
أفليس لكم العقل الصافي اللامع لتهتدوا بنوره ، وتعرفوا أنّ ذلك الشرك محبط لمراتب التوحيد ؛ كما قال : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ * بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١).
أي من الّذين عرفوا الله فعبدوه خالصا مخلصا بحيث ما خطر على قلوبهم ذكر شيء غير الله.
كيف وليس لشيء ذكر في عرش التوحيد سوى الحقّ الواجب تعالى ، فإنّ ذكر الشيء فرع وجوده ، ولا وجود لغير الحقّ في عالم التوحيد ؛ كما قال : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِذا ذُكِرَ اللهُ
__________________
(١) الزمر : ٦٤ ـ ٦٦.