وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١).
أي الّذين ما فازوا بالدار الآخرة وهي دار التوحيد لا يدركون مقام الواحديّة الصرفة الخاصّة بالحقّ جلّ شأنه بحيث إذا ذكره الفائز به تراهم تشمأزّ قلوبهم لبعدها عن ساحة الإدراك ، ولكنّهم لتوجّههم إلى عالم الكثرة وخوضهم فيه تراهم يستبشرون بذكر سوى الحقّ تعالى (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (٢).
أي : قل إنّي أدخل لجّة الأحديّة وبيت المحبّة الخالصة الّذي أمر الناس كلّهم بأن يدخلوا ؛ كما قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٣) أي : ادخلوا تلك اللّجّة الشريفة بعد محو الوجود الموهوميّ في بحر الوجود الكلّيّ الحقيقيّ ، فإنّ العابد لله بما أراد الله هو الّذي لا ينظر إلى نفسه بمعنى أنّه لا يرى نفسه عابدا والحقّ معبودا ، فإنّ ذلك لشرك مبين.
بل يرى الحقّ معبودا خاصّة من غير أن يكون في ساحة عبادته ذكر لنفسه بأنّه عابد لله ، فإنّ العبادة هي التوجّه إلى الشيء وذكره ، فتوجّه العبد إلى نفسه حين توجّهه إلى الحقّ عبادة للنفس والحقّ ، فمن كان هذا شأنه فقد
__________________
(١) الزمر : ٤٣ ـ ٤٥.
(٢) الزمر : ١٤ ـ ١٥.
(٣) البقرة : ٢١.