للمعاقبين ، وإن كان في نفسه حسنا لكونه مستحقّا.
وقيل : المراد بالشرّ هنا أهوال يوم القيامة وشدائده.
أقول : قوله «لأنّه لا خير فيه للمعاقبين» إنّما يستقيم لو كان المعاقبون الكفّار وقلنا بخلودهم في النار ، وأمّا لو كانوا من المؤمنين المذنبين أو قلنا بعدم الخلود فلا معنى له ؛ إذ ليس العذاب إلّا لأجل إيصالهم إلى كمالاتهم ، وتصفيتهم عن الحجب المانعة عن الوصول كما يذاب الذهب والفضّة بالنار لأجل الخلاص ، فعذابه لعباده ليس إلّا لكمال مرحمته بهم ؛ كما قال :
وتعذيبكم عذب وسخطكم رضا
وبذلك لقد فسّر قوله «سبقت رحمتي غضبي» (١).
أي أطهّرهم عن كدورات العصيان برحمتي ، ولكن لا تتحقّق تلك الطهارة إلّا بالغضب ، أي العذاب ، فهم يزعمون أنّ الله يريد بذلك أن يغضبهم وهو مريد لرحمتهم وإكمالهم.
ألا ترى إلى الآباء كيف يؤدّبون أولادهم بما يراه الآباء رحمة والأبناء شرّا وظلما ، وقد قال تعالى مخبرا عن حال الإنسان (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) ... (٢) إلى آخره.
وقد روي أنّ امرأة سألت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت : يا نبيّ الله ، الله أرحم بعباده أم أنا بأولادي؟ فقال صلّى الله عليه وآله : بل الله أرحم ، فإنّه هو أرحم الراحمين! فقالت : أتراني يا رسول الله أحبّ أن ألقي ولدي في النار؟
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٤٢.
(٢) الفجر : ١٦.