الحقيقيّ ؛ كما قال (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (١). انتهى.
فالشكر لا يستحقّه إلّا الله جلّ جلاله ، فيجب على كلّ مؤمن فائز بذلك المقام أن لا يريد في إنعامه وإحسانه إلّا رضا الحقّ والتقرّب إليه ، وأن يقطع بأنّ نفسه ليس مستحقّا لأن يشكره الخلق ويذكره بالخير.
كيف وهو وسائر الخلق سواء في أنّهم عبيد الله وخلقه ، ولا فضل له على غيره في ذلك المقام ؛ كما قال : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) ... (٢) إلى آخره ، فإذا تحقّق لعبد أنّ الله تعالى هو المنعم الحقيقيّ ومنه النعم كلّها ولكن بالواسطة ولا يقدر غيره على ذلك إلّا بإرادته يفوز بمقام الإخلاص لا محالة ، وهو تصفية العمل عن كلّ شوب ، وتخلية القلب عن جميع الشؤونات الغيريّة سيّما عن توجّه الأعواض والأغراض ؛ كما قال : وهما حرامان على أهل الله. انتهى.
فالمخلص صاف قلبه عن كلّ شاغل ، وكلّ ذكر ، ولا يعمل إلّا لمحض القرب ورضا الربّ ، فإنّه العاشق المشتاق الّذي ليس له منى إلّا وصال المعشوق ، والمعانقة معه ، والمحاضرة في عرشه ، وقد قال الصادق عليه السلام : حبّ الله إذا أضاء على سرّ عبد أخلاه عن كلّ شاغل ، وكلّ ذكر سوى الله عنده ظلمة ، والمحبّ أخلص الناس سرّا وأصدقهم قولا ، وأوفاهم عهدا ، وأزكاهم عملا ، وأصفاهم ذكرا ، وأعبدهم نفسا ، يتباهى الملائكة عند مناجاته ، ويفتخر برؤيته ، وبه يعمّر الله بلاده ، وبكرامته يكرم الله عباده ،
__________________
(١) الشعراء : ٧٩.
(٢) الملك : ٣.