قيل له : ليس المراد بالحبّ هو الاشتهاء إلى الطعام ، بل المراد الحاجة ، أي إنّهم مع احتياجهم في حفظ البدن إلى الطعام لقد أنفقوه وآثروا غيرهم على أنفسهم ؛ كما قال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) ... (١) إلى آخره.
ولا ريب في أنّهم ما كانوا يأكلون الطعام إجابة لنفوسهم وميلا منها إليه ، فإنّ ذلك من خواصّ الجهّال ، بل يأكلونه حفظا لأبدانهم حتّى يقووا بها على عبادة الله ليلا ونهارا ؛ كما قال صلّى الله عليه وآله : لو كان لي يد ثالثة لاستعنت بها على الأكل. انتهى.
فالداعي إلى أكلهم هو الضرورة لا الميل النفسانيّ ، ألا تراهم يقلّون في الأكل بحسب إمكانهم واستطاعتهم.
وقال الصادق عليه السلام : قلّة الأكل محمودة في كلّ حال ، وعند كلّ قوم ، لأنّ فيه المصلحة للباطن والظاهر والمحمود في المأكول أربعة ضرورة وعدّة وفتوح وقوت ، فالضرورة للأصفياء ، والعدّة للقوّام والأتقياء ، والفتوح للمتوكّلين ، والقوت للمؤمنين (٢).
العاشرة : في قوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) إشارة إلى بيان إخلاصهم ، فإنّهم ما أرادوا بذلك إلّا رضاء الحقّ والتقرّب إليه ، وما ابتغوا بذلك جزاء أي مكافأة عاجلة ، ولا شكورا أي ذكرا عند الخلق بالمدح.
كيف وهؤلاء لقد قطعوا بأنّ كلّ النعم إنّما هو من عند الله ، فهو المطعم
__________________
(١) الحشر : ٩.
(٢) مصباح الشريعة : ٧٧.