السادسة : قيل : «أو» في قوله : «أو كفورا» إنّما هي للإباحة ، وهي الواقعة بعد الطلب.
أقول : وفيه ما لا يخفى ، لأنّ الإباحة ملائمة للأمر ؛ نحو جالس العلماء أو الزهّاد ، فالأولى تخصيص ذلك الاسم بالواقعة بعد الطلب الأمريّ ونحوه.
وأمّا الواقعة بعد النهي ، فللحظر وامتناع الجمع ؛ كما في الآية ؛ إذ المعنى لا تفعل أحدهما ، فأيّهما فعله كان أحدهما البتّة ، فلا ينبغي أن يسمّى بالإباحة ، فإنّها ما يجوز فيه الجمع لا ما يمتنع.
قال الطبرسيّ رحمه الله : قال الزجّاج في قوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) ... إلى آخره. «أو» هنا أوكد من «الواو» لأنّك إذا قلت «لا تطع زيدا وعمرا» فأطاع أحدهما كان غير عاص ، لأنّك أمرته أن لا يطيع الإثنين ، وإذا قال «لا تطع منهم آثما أو كفورا» فـ «أو» قد دلّت على أنّ كلّ واحد منهما أهل لأن يعصى ، وأنّهما أهل أن يعصيا ، كما إنّك إذا قلت «جالس الحسن أو ابن سيرين» فقد قلت كلّ واحد منهما أهل أن يجالس.
قال البصير النحويّ : «أو» هذه الّتي للتخيير إذا قلت «اضرب زيدا أو عمرا» فمعناه : اضرب أحدهما ، فإذا قلت «لا تضرب زيدا أو عمرا» فمعناه لا تضرب أحدهما ، فيحرم عليه ضربهما ، لأنّ أحدهما في النفي يتعمّم.
وابن كيسان يحمل النهي على الأمر ، فيقول : إذا قال لا تضرب أحدهما لم يحرم عليه ضربهما ، وإنّما حرم في الآية طاعتهما ، لأنّ أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة له. ألا ترى أنّ الآثم مثل الكفور في هذا المعنى.